منتدى دليل الريف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أخبار عالمية ، رياضة ، برامج الكمبيوتر والأنترنت ، برامج الفضائيات ...
 
دخولأحدث الصورالتسجيلالرئيسية

 

 الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين"

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
azir
عضو فعال
عضو فعال
azir


عدد الرسائل : 98
تاريخ التسجيل : 27/09/2007

الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين" Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين"   الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين" Icon_minitime27.10.07 16:00

بلدة الموت البطيء



<H1>هناك حيث يلتقي الشر بالخير، في مكان قصي خال من الأرواح، يقتسم وادي سفتولة بلدة أيث عياش ذات التاريخ المجيد إلى نصفين، إذ توجد البلدة الصغيرة قرب الوادي المقدس، أما شرقه فيحوي مجموعات سكنية متناثرة تسود فيها أجواء الرعب والخوف في كل وقت وحين، وتنجب كل يوم عصابة جديدة... وليس لسفتولة أي معنى في أذهان السكان، بل هو لفظ غريب عن لسانهم الأمازيغي الذي طمسته براغيث محجوبة. فالمتوارث عن الأجداد أنه وادي سُفتلَ.



عياش ليست بلدة يهودية في قلب إسرائيل، حيث يقتل في كل يوم المئات من بني آدم تحت مظلة العدالة الزائفة للدولة الصهيونية... بل هي بلدة أمازيغية تقع في قلب الريف... لم يغير الزمن منها شيئا، لا الغازات السامة أحرقت بساتينها الزاهية وأشجارها المدرارة، ولا محرقة الفاسيين اجتثت كل رجالها وأطفالها، فنعم السكون عندما يكون مجانا.


في أزقة البلدة المنتحرة يزداد السكون شدة عندما تقترب عقارب الساعة من حلكة الليل الدامس، فيصبح قاتلا وموحشا... حتى من يختبئ وراء جدار بيت يحتسي قنينة نبيذ إسباني، تجد السكون قد أخذ منه جميع حركاته وسكناته، فلا يستطيع قياما إلا بعد أن تغار عليه الشمس بأشعتها المحرقة الدافئة لتحرك الدماء المتجمدة في عروقه، والعزيمة الخاملة في وجدانه، فينفض الغبار عن ملابسه ويقوم ليبدأ يوما جديدا، وأمله كبير في أن لا يكون أخا لليوم الذي مضى...


وآخر قاعد طوال النهار في المقهى لا عمل له، ولا هدف معلوم يرجوه في حياته، ولا يعلم أن نواميس الطبيعة صارمة بحيث أن كل يوم يمضي، يمضي دون رجعة، ويخصم من عمره أيام الشباب الجميلة بشكل تعسفي لا يقبل المجادلة...


وكلما برد شرابه زاده الخمار شرابا ليبلل حلقومه الجاف المتجمد، ويداه لا تكفان عن "اللف والدوران والإحراق"، وشفتاه لا تمسكان عن المص والنفخ بدأب واستمرار، حتى تحترق شرايين قلبه الواجف، فيعمى بصره وينصرف في هدوء إلى كوخه وهو مثقل بالذنوب...


وهكذا تسير به الأيام نحو فناء بطيء لا يخلف وراءه إلا الذكريات المحزنة القاسية، وهو لا يزال متوهما منتظرا ذلك اليوم الذي سيواري فيه بذور الذل والهوان.


كلما ضاعت منه فرصة إلا واشتد صبره وتوسع صدره، يترقب مجيء فرصة أخرى ليمتطي قاربا، فيذهب به بعيدا حيث النعيم المنشود أو الفناء المأمول كآخر مصير مقبول...


ذات يوم رأيت في باب منزل صغير فتاة لا قدرة لأحد على وصف جمالها، لكنها كانت تموت رويدا رويدا، وكل يوم يأخذ القدر قسطا من حياتها غصبا، وهي مستميتة في صبر أبدي سرمدي، تنتظر ذلك اليوم الموعود؛ اليوم الذي سيضع حدا لآلامها وأحزانها...


وانصرمت أيام طوال وهي تنتظر ساعة الخلاص، والقدر اللعين أبى أن يعطف عليها أو يعصف بها، فالأمرين سيان عندها وهي الأسيرة في بيت إسمنتي مسيج بأشواك العادات والتقاليد البائدة...


وبين جدران ذلك البيت الغريب، كانت تلك الفتاة تقضي أيام شبابها في حزن عميق وألم عظيم، والكل يترقب انطفاء شمعتها لتصبح ذكرى للذاكرين... لا أذكر اسمها جيدا، لكنه على وزن فعلًّة، ولا شك أنه يوجد من بين هذه الأسماء التي علقت بذاكرتي، فقد تكون سمية أو زكية، ولم لا نجية أو رنية... وأنا اخترت لها اسم رنية...


الفتاة الريفية كانت دائما تعيش في عزة من نفسها، لكنني عندما التقيت برنية، أخبرتني بأن القدر كتب لها العيش في ذل وحقارة... رماها الدهر إلى أحضان عائلة ليست بعائلتها، فوالدها مازال يسكن في قرية قريبة من أيث عياش، وكذلك والدتها وإخوتها الثلاثة...


وعلى ظهر تلال جلفاء يقضي والد رنية أيامه الحالكة... إنه ليس بخماس ولا بمأجور عند أحد؛ إذ لا وجود للإقطاع في الريف، لكنه صاحب أرض ورثها عن أسلافه، يحرثها ويعمل بجد وتفان... وعندما يأتي موعد الحصاد يختلط الشوك بالشعير، فتجوع الحمير لتلتهم كل شيء، ويبقى والد رنية حائرا نادبا حظه التعيس في هذه الدنيا الأكثر تعاسة، فلا يجد من مفر آخر سوى -اللف والدوران والإحراق-، ثم إنتاج التكرار... حتى يصبح إنسانا بلا عقل ورجلا بلا عزيمة، وبكاء الصبية وعويل الزوجة ولعناتها تلاحقه أينما وجد...


كنت ذات يوم، وقد أنساني الدهر كل مشاكلي وأحزاني المتراكمة، أمشي منكسر الهامة في شارع طويل وفسيح، لا يحده شيء سوى بناية ثانوية مطلة على واد مهجور غير ذي زرع...


هناك وراء جدران تلك الثانوية بدأت قصتي مع رنية، ويا للعجب... عندما فتحت عيني لترتمي داخل بؤرتيهما صورة فتاة كانت هي السباقة التي أذاقتني حلاوة الحب والحياة، وأيقظت في وجداني مشاعر لم أكن أعرف ذوقها بعد...


كانت تطل من نافذة في الطابق الأرضي، تترقبني وأنالم أشعر بنظراتها الفاحصة، ونسيت نفسي ونسيت موطأ قدماي، ولم أنتبه حتى كدت أسقط أرضا عندما تعثر حذائي المتآكل بحجرة خرجت من الأرض عفوا، وبعد أن اعتدلت في مشيتي عدت لأنظر إلى وجهها الساحر الجمال، فأحست بحرج كبير من شدة غبائي، وتوارت خلف الستار... وابتسمت له فرفرف يحييني، وضحكت له، فضحك من كان يترقبني...


انصرمت أيام وجاءت أيام، وبت كمخبر أتعقب ضحيتي. لكن عجبا، فلا أثر لها... يراني الناس نائما وما أنا بنائم، ويحسبونني ثملا وما أنا بسكران... وتكل رجلاي فألتجئ إلى مقهى الجزيرة كي أحتسي شرابا يخفف عني وطأتي الألم والملل اللذان يلاحقاني في حياتي وعزلتي ...


مقهى الجزيرة؛ هناك يجتمع نبغاء بل ببغاوات أيث عياش؛ خليط من معلمين وأساتذة، موظفين ومعطلين... يتقاسمون مرارة الفشل فيما بينهم... يتمنون فلا يحققون، ويحلمون قبل أن يناموا... تراهم أكثر الناس جدلا، تارة فيما تقدم لهم قناة الجزيرة الفضائية، وتارة يخوضون بالسوء في أعراض الناس، مستعرضين عيوبهم ونواقصهم...


يحسبون أنفسهم أيقاظا وهم رقود، كل واحد منهم له أخطاؤه وعيوبه، واحد يحتسي الخمر خفية وأبناؤه يموتون عطشا، وآخر يقتفي أثر كل بغية، ويصرف أمواله في اصطياد واحدة قد تخفف عنه بليلتها مرارة القهر الأبدي الذي سقط فيه... في حين يترك زوجته وبناته كل واحدة تختار سبيلها حسب هواها... وكلهم في واد عميق يهيمون...


أما أنا، وحيد شارد الذهن،لا قوة لي إلا التي أستمدها من رب السماء، أطل عليهم من نافذة كبريائي لأتمعن النظر فيهم جيدا وأتعجب من شدة سفاهتهم ودرجة انحطاطهم، ثم أعود وأعتدل في مقعدي، أتجرع مرارة الاحتراق، فأرشف من فنجان القهوة رشفة طعمها العقلم، ثم أسترسل في محاولة فهم حالي الذي ساء كثيرا...


كنت أكتب كلمة أو اثنتين، ثم يزيغ قلمي عن الموضوع، ويشرد ذهني مرة أخرى، فأكرر وأكرر حتى أملأ الطاولة ورقا، ويقبل علي النادل فينبهني لفداحة ما أفعل... أعتذر له بلباقة وأخرج من جيبي خمسة دراهم، أضعها في يده، ثم أنصرف إلى حال سبيلي، وهو لا يزال غاضبا مزبدا لاعنا...


لقد كان أملي في رؤية ذلك الطيف مرة ثانية يزداد يوما بعد آخر، وقد سألت عنه كثيرا، وتعقبت أثره طويلا، واستفسرت عن الداخلين والخارجين من ذلك البيت، فتبين لي بأن الحاج شعيب هو عم تلك الفتاة...


إنه رجل صارم وصلب الطباع، قضى زهرة أيام شبابه متنقلا بين الدول الأوربية، أجيرا في معاملها ومصانعها... له أولاد يساوي عددهم عدد أصابع يدي إنسان، لكن لا أحد منهم يزوره في الصيف أو يسأل عنه... فكلهم فضلوا الاستقرار بهولندا، فهناك ولدوا وترعرعوا، أما هو فقد عاد إلى البلدة يقضي فيها ما تبقى له من أيامه الذليلة، فاستقدم الفتاة من القرية لتعين زوجته على أشغال البيت بعدما فشل في الظفر بزوجة شابة ويانعة تعيد له بلياليها أيام شبابه وفحولته؛ وهي ابنة أخيه الأصغر...


يتبع...

</H1>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
anas
وسام التميز
وسام التميز



عدد الرسائل : 142
تاريخ التسجيل : 16/10/2007

الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين"   الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين" Icon_minitime31.10.07 7:51

شكرا لك أخي على هدا الأسلوب الجميل و لاتحرمنا من كتاباتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفصل الأول من رواية "متاهات العشقين"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى دليل الريف :: المنتديات الفكريه والثقافيه :: منتدى القصص والروايات-
انتقل الى: